الثلاثاء، 25 أغسطس 2009

لا أمان في أرض لم نحررها

على أجهزة الدولة المصرية أن تعترف بعدم قدرتها على حماية حدودنا في شمال سيناء من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة اعترافا صريحا وبدون أي عبارات عنترية جوفاء لا تخدع إلا البسطاء في بلادنا، خاصة وأن حادثة الجندي الذي أصيب على أيدي الصهاينة خلال الأسبوع الماضي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وأن إمكانية أي صدام مع إسرائيل على أي مستوى من الأمور المحظورة بالنسبة لدولتنا سواء لاعتبارات موازين القوى أو احتراما وتقديسا لاتفاقيات كامب ديفيد التي انتهكتها إسرائيل عدة مرات أو لاعتبارات المصالح المشتركة بين حكامنا والأثرياء فينا وبين أعدائنا.

ولابد من ترجمة عملية لهذا الاعتراف بسحب الأعداد الهزيلة من الجنود المصريين ذوي الأسلحة الخفيفة التافهة الذين يزرعون في شمال سيناء على خط الحدود مع الكيان الصهيوني كأعجاز نخل خاوية لا تملك أن تدافع عن نفسها ضد اعتداء الصهاينة الأكثر منهم عددا والأفضل عتادا.

هؤلاء الجنود هم أبناء الفلاحين والفقراء الذين لا تمنحهم الدولة أي اعتبار ولا تحفظ لهم حقا، ولكنهم يساقون إلى خطوط المواجهة مع الأعداء في منطقة يعرف القادة وكبار المسئولين أنهم عرضة فيها لأخطار الموت، ومع ذلك يحرمون من أي قدرة على الدفاع عن أنفسهم. فكيف يدافع هؤلاء عن وطن لا يملكون فيه حق الدفاع عن أنفسهم سواء في داخل البلاد أو على حدودها؟!

لا أطالب حكامنا بما لا طاقة لهم به ولا مصلحة لهم فيه. لا أطالبهم بأن يضمنوا حقوق أبنائنا الذين قتلهم أعداؤنا بدماء باردة على حدود سيناء الشمالية في عشرات من الاعتداءات المتكررة دون أن يستطيعوا الدفاع عن أنفسهم. لا أطالبهم بإلغاء اتفاقيات كامب ديفيد التي داس عليها الصهاينة ودنسوها إدراكا منهم بأن الطرف الآخر لا يملك القدرة على إلغائها أو له مصلحة أساسية في التظاهر باحترامها. كل ما أطلبه ألا يساق أبناؤنا كالأغنام حتى يقوم الصهاينة بذبحهم قربانا لأساطيرهم، وأن يتم سحب هؤلاء الجنود إلى المناطق التي يستطيعون فيها حماية أنفسهم والدفاع عنها على أقل تقدير.

أما مصالح الكبار التي تتواجد في مناطق شمال سيناء فهم يعلمون أن مصالحهم تحميها إسرائيل وأن الأعداد الهزيلة من الجنود الجوعى الذين لا يحملون إلا أسلحة خفيفة لا تصلح إلا لمواجهة بدو سيناء وحصار الفلسطينيين العزل، ولا يمكنهم حماية تلك المصالح إذا قرر الإسرائيليون الإنقلاب عليهم.

ورغم أنني لا أهتم هنا إلا بحماية دماء جنودنا من أبناء الفلاحين والفقراء، فإنني أيضا أؤكد أن مكاسب الكبار من سحب هؤلاء الجنود من منطقة الموت المجاني في شمال سيناء أكثر من خسائرهم. لأن الدولة تخسر هيبتها كلما ذبح الصهاينة جنديا يرتدي زيها العسكري دون أن تملك القدرة على أو الرغبة في رد اعتباره أو اعتبارها. وإن لم تكن مشاعر أهالي هؤلاء الجنود الضحايا لا تمثل رقما في معادلة المصالح التي تربط بينكم وبين أعدائنا، فإن هذه الدماء الساخنة البريئة والمشاعر الغاضبة هي العامل الأساسي في معادلة تاريخنا والانتقام لحقوقنا المهدورة.

بالنسبة لنا، لا نستطيع أن نزعم أو نصدق أن منطقة نموت فيها بالمجان ولا نستطيع حمايتها من أعدائنا ومنعهم من وطئها منطقة محررة، حتى وإن زعمت كتب الجغرافيا المدرسية ذلك. أرضنا وبلادنا لا تكون حرة إلا إذا استطعنا أن نأمن فيها على حياتنا وكرامتنا وحياة أبنائنا وأن نمنع الأعداء من تدنيسها. هذا ما تعلمناه من تاريخنا وتاريخ الشعوب الحرة في كل أنحاء العالم. ولذلك لا نعتبر أنفسنا أحرارا حتى في مناطق الوادي والدلتا بعد أن تحالف حكامنا مع أعدائنا وأصبحوا معهم علينا، وبعد أن تداخلت مصالح الطبقة الحاكمة في مصر مع مصالح الصهاينة وترجم ذلك في اتفاقيات للتجارة والغاز وتعاون وثيق على جميع المستويات بعد أن دفع الفقراء والفلاحون ضريبة الدم فلم يحصلوا على الحرية وإنما ساوم على دمائهم الأثرياء والحكام.

إذا كان علينا أن نواجه مرة أخرى جحيم الموت من أجل الحرية، فلا ينبغي أن نواجه موتا عبثيا مجانيا هذه المرة، لذلك ينبغي أن نطالب بسحب جنودنا من شمال سيناء حتى يحين الوقت الذي يستطيعون فيه حماية أنفسهم وحماية مواقعهم. أما الكبار ومصالحهم هناك، فإن إسرائيل تحميهم وتحميها.