الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

في انتظار أن يسقط النظام



رمضان متولي
وزير المالية ممتاز السعيد يصرخ … تفاقم عجز الموازنة إلى 170 مليار جنيه وبلغ حوالي 11% من إجمالي الناتج المحلي … وهي بالفعل فجوة كبيرة بين النفقات التي تلتزم بها الدولة وبين مواردها، تستلزم إجراءات واضحة وحاسمة لتخفيض الإنفاق العام من جانب، وزيادة الإيرادات من جانب آخر … مطالب الثورة بالعدالة الاجتماعية لا تنفي ذلك، بل تؤكده وتصر عليه. ولكن هل ينظر الوزير إلى المشكلة من نفس الزاوية التي تطالب بها الثورة؟ في رأيي المتواضع أن الوزير يقف على الجانب الآخر … الجانب المناهض للعدالة الاجتماعية، الذي يرى في الثورة أزمة ومشكلة، وخروجا على الناموس، بل يعتقد أن واجبه هو معاقبة الشعب المصري على ثورته، ومكافأة الفاسدين واللصوص الذين خرج ضدهم الشعب على فسادهم وسرقاتهم واستغلالهم للفقراء.
يظهر موقف الوزير، والحكومة التي ينتمي إليها، بوضوح في الأسلوب الذي ينتهجه ويتبناه لمعالجة مشكلة عجز الموازنة، وهو نفس الأسلوب ونفس المنهج الذي كانت تتبناه حكومات مبارك، بل نفس منهج وأسلوب يوسف بطرس غالي، وزير المالية الأسبق الذي يعيش "هاربا" الآن في العاصمة البريطانية.
وزير المالية دكتور ممتاز السعيد يسعى إلى حل أزمة تفاقم العجز في الموازنة العامة عن طريق التوسع في الضرائب غير المباشرة، تماما مثل ضريبة المبيعات، وهي الضرائب التي يتحملها المستهلكون وأغلبهم من الفقراء والطبقة الوسطى، متجنبا أي حديث عن ضرائب مباشرة عن أرباح رجال الأعمال ورؤوس الأموال الساخنة التي تضارب في البورصة أو في العقارات أو غيرهما. وقد نشر موقع "الأهرام" في 17 سبتمبر الجاري إحدى الأفكار العبقرية لوزير المالية التي أدلى بها خلال مؤتمر تمويل مشروعات البنية ومشاركة القطاع الخاص بالشرق الأوسط، وهي أن الوزارة تدرس فرض رسم على مكالمات المحمول بواقع "قرش صاغ" عن كل دقيقة يتحمله المشترك وتحصله شركات التليفون المحمول لصالح الخزانة العامة، بهدف زيادة إيرادات الموازنة وتخفيض العجز المالي الذي تضخم بنحو 36 مليار جنيه عما كان مقدرا ليصل إلى 170 مليار جنيه في موازنة العام المالي الحالي!
هذا المنهج في التفكير هو بالضبط منهج أعداء الثورة التي طالبت بالعدالة الاجتماعية، فهذا المطلب يستدعي بالضرورة إعادة النظر في سياسة الضرائب التي انحازت، ومازالت تنحاز، إلى الأثرياء منذ قررت حكومة أحمد نظيف تخفيض الضرائب على أرباح رجال الأعمال بنسبة 50% إلى 20% فقط في عام 2004. هذه الجريمة التي ارتكبت في حق الشعب المصري، ومازالت نافذة وممتدة حتى الآن، ترتب عليها وصف حكومة نظيف عن حق بأنها حكومة رجال الأعمال ومصالح الأثرياء المعادية للغالبية العظمى من أبناء هذا الشعب.
وزير المالية في حكومة جاءت بعد ثورة استشهد فيها زهرة شباب هذا البلد…حكومة شكلها رئيس منتخب ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، التي ملأت الدنيا ضجيجا زاعمة أنها تدافع عن الفقراء والعدالة الاجتماعية، ينفذ نفس السياسات التي وضعها وزراء "مجرمون" في عهد مبارك.
لم يقترب تفكير الوزير من زيادة الحد الأقصى للضريبة على الدخل، رغم أن نسبة 20% هي أقل نسبة ضرائب على الدخل في العالم … لم يفكر وزير المالية في إلغاء دعم الصادرات الذي يستفيد به الأثرياء من التجار والمصدرين، وإنما يعمل على إلغاء الدعم على الوقود، والذي يترتب عليه بالضرورة زيادة أسعار السلع الأساسية كلها وعلى رأسها الغذاء! لم يفكر الوزير في وضع حد أقصى لدخول كبار الموظفين من أجل توفير الموارد لحكومة تشن حاليا حملة من القمع الشامل للعمال والموظفين الذين يضربون عن العمل ويعتصمون للمطالبة بأجور عادلة وحياة كريمة!
الأدهى والأمر أن جميع السياسات التي وضعت أساسها وبرامجها حكومة رجال الأعمال والسماسرة بقيادة أحمد نظيف تسعى حكومة قنديل إلى تنفيذها باعتبارها سياسات ضرورية ولا غنى عنها ولابديل لها…كأن الشعب المصري لم يثر ضد هذه السياسات تحديدا.
المؤتمر الذي أدلى فيه ممتاز السعيد بهذه التصريحات هو نفسه مؤتمر خصخصة المرافق والخدمات تحت عنوان الشراكة مع القطاع الخاص…نفس المشروع الذي بدأته حكومة أحمد نظيف وجاءت الثورة لتقطع عليهم طريق استكماله…وإضرابات العمال والموظفين ربما تشير إلى أن الثورة مستمرة حتى تكمل ما بدأته…أما قمع الأمن لهذه الإضرابات فيعني أن النظام مازال قائما يتشبث بالسلطة في انتظار السقوط.