الأربعاء، 23 مارس 2011

تغيير هيكلي يعني ثورة وافتتاح البورصة مناورة


رمضان متولي
رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف قام في إحدى رسائلة عبر شاشة التليفزيون بالترويج لإعادة فتح البورصة مستخدما لغة عاطفية ربطت بين ذلك وبين الانتاج وتنشيط الاقتصاد ومعالجة المأزق الاقتصادي الذي تعانيه مصر حاليا. روج شرف لهذه الخطوة كأنها مهمة حاسمة وثورية، ربط بينها وبين ضرورة الحفاظ عليها وبين عودة مصر وبين التكاتف والإنتاج بصورة غريبة، مبررا ذلك بجملة واحدة أن البورصة انعكاس للاقتصاد للمصري.
وعلى خلفية هذا الربط التعسفي بين عودة البورصة للعمل وبين إعادة عجلة الاقتصاد إلى الدوران وبين الحفاظ على "الثورة"، كان مبررا بالنسبة لنا أن نطرح السؤال التالي: ما هي أهمية البورصة في النظام الاقتصادي، وعلى وجه الخصوص أهميتها بالنسبة للقطاعات الانتاجية التي يقوم، وينبغي أن يقوم، عليها الاقتصاد؟
إن سوق الأوراق المالية (البورصة) مؤسسة لا تقوم بأي نشاط إنتاجي مباشر، وليست مثل المصنع ولا الورشة التي تحول الخامات من خلال عمل العمال وتدوير الماكينات إلى منتجات جاهزة للاستهلاك النهائي أو الصناعي، وليست مثل مزرعة أو حقل لإنتاج الخضر أو الفواكه أو الحبوب أو أعلاف المواشي أو الدواجن أو غيرها.
ولا تقدم البورصة أيضا أي نوع من الخدمات الإنتاجية المعروفة، فلا هي وسيلة مواصلات لنقل العمال، ولا خط لنقل البضائع برا أو بحرا أو جوا، وليست نقطة لتجارة الجملة ولا تجارة التجزئة تيسر وصول منتجات المصانع أو المزارع إلى المستهلكين فتسهم في تيسير عمليات تداول البضائع والسلع وحركة الأسواق.
ولا تساهم البورصة في زيادة الموارد أو غير ذلك، فليست البورصة مزارا سياحيا، ولا تحصل الدولة على أي ضرائب من معاملات المستثمرين والمضاربين فيها.
هكذا نجد أن كل ما له علاقة بالإنتاج وتنمية الموارد لا تلعب البورصة أي دور فيه، ولا يوجد دور للبورصة إلا في ثلاث مجالات فقط: أولا أن البورصة ساحة كبيرة للمضاربة والمقامرة على أسعار أوراق مالية مثل الأسهم والسندات لا صلة لها مطلقا بالإنتاج الحقيقي، وثانيا أن البورصة مجال لتيسير حركة دخول وخروج الأموال الساخنة التي قد تضر بالاقتصاد أكثر مما تفيده خاصة في ظروف الأزمة الاقتصادية أو السياسية، وثالثا – وذلك في أحوال نادرة – أن البورصة تعتبر إحدى قنوات تيسير التمويل اللازم لتوسع الشركات أو إنشاء شركات جديدة إلى جانب قنوات أخرى.
على هذه الخلفية لا أجد سببا لهذا الحماس الشديد والاهتمام البالغ لعودة البورصة إلى العمل في الظروف الراهنة إلا أن رئيس الوزراء والمجلس العسكري يريدان توجيه رسالة سياسية معينة للخارج مفادها أن لا شئ تغير في بر مصر، وأن البلاد ستسير من الناحية الاقتصادية على نفس النهج الذي اتبع في عهد مبارك وإن احتاجت الظروف السياسية الراهنة إلى محاصرة الفساد في المدى القريب.
فعودة افتتاح البورصة كساحة للمضاربة والمقامرة على أسعار الأسهم لا تعني شيئا بالنسبة للاقتصاد ولا تفيد الشركات المدرجة ولا تضرها في شئ، وليس لها أي علاقة بنشاط الشركات من قريب أو بعيد، وفي الظروف الحالية تحاول إدارة البورصة وشركات السمسرة تغذية روح المضاربين عن طريق التأكيد على أن الأسهم حاليا سوف يتم تداولها بأقل من قيمتها وأن هذه فرصة نادرة للشراء من ناحية، وحذروا من ناحية أخرى صغار حملة الأسهم من البيع عند هذه المستويات السعرية.
وجاءت هذه التحذيرات بينما انخفض المؤشر الرئيسي للبورصة بنسبة 9% تقريبا عند الإغلاق بتأثير موجة البيع الكثيفة للأجانب الذين بلغت صافي مبيعاتهم من الأوراق المالية (أسهم وسندات) حوالي 342 مليون جنيه، حتى بعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها إدارة البورصة بوقف التعامل على عدة أسهم مستهدفة بالبيع، خاصة من قبل الأجانب.
وإذا كان دور البورصة كساحة للمضاربة والمقامرة لا يؤثر سلبا على أداء الاقتصاد الحقيقي ولا على النشاط الإنتاجي، فإن دورها كقناة لتدفق الأموال الساخنة دخولا وخروجا له تأثير بالغ الخطورة على نشاط الاقتصاد، خاصة في أوقات الأزمات الاقتصادية أو السياسية. يتضح ذلك من الأرقام السابقة حول صافي مبيعات الأجانب علاوة على صافي مبيعات الأفراد الذي بلغ 32 مليون جنيه، ومعنى ذلك أن عددا كبيرا من هؤلاء الأجانب والأفراد ربما يسعون إلى الخروج بهذه الأموال من مصر بسبب المخاطر السياسية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد حاليا ولا يمكنهم ذلك إلا إذا قاموا بتسييل ما بحوذتهم من أسهم وسندات وتحويلها إلى عملات أجنبية لنقلها إلى الخارج، وهنا مكمن الخطورة على النشاط الاقتصادي. بمعنى آخر أن خروج العملات الأجنبية حاليا من السوق المصرية سوف يؤدي إلى تراجع كبير في المعروض من العملات الأجنبية اللازمة لاستيراد الغذاء والدواء واللازمة أيضا لاستيراد الخامات المطلوبة للمصانع المصرية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع التكلفة والتضخم نتيجة الضغط على الجنيه المصري وتعطل الانتاج ببعض المصانع نتيجة لنقص الخامات المستوردة أو ارتفاع كلفتها. ولهذا السبب كانت المطالبة بعدم إعادة افتتاح البورصة لها ما يبررها وكان علينا أن نعتبر من تجربة الأزمة في جنوب شرق آسيا عام 1997 عندما أصيبت المنطقة كلها بشلل اقتصادي وانهيار في عملاتها بعد الخروج الكثيف لرأس المال منها على خلفية الأزمة الاقتصادية. الجهة الوحيدة التي كانت صافي تعاملاتها بالشراء أمس كانت المؤسسات التي بلغ صافي تعاملاتها شراءا حوالي 32 مليون جنيه، وغالبا ما تكون هذه المؤسسات عبارة عن البنوك العامة وشركات التأمين العامة بما يتضمنه ذلك من مخاطرة بأموال المودعين وحملة الوثائق لمجرد محاولة وقف انهيار أسعار الأسهم ومؤشرات السوق!
أما الدور الثالث للبورصة الذي يتمثل في كونها إحدى قنوات توفير التمويل اللازم لتوسع الشركات أو إنشاء شركات جديدة، فمن الخطل توقع أن تقوم البورصة في هذه الظروف تحديدا بهذا الدور، ففي وضع اقتصادي وسياسي مأزوم وغير مستقر مثل الفترة التي تمر بها مصر حاليا لا نستطيع أن نتوقع أن تقوم إحدى الشركات بطرح أسهم جديدة للتوسع أو لإنشاء مشروعات جديدة، خصوصا أن إدارتها ستكون غبية إذا توقعت أن يتقدم أحد بشراء الأسهم المطروحة. كما أن الإنشاء الثاني للبورصة المصرية في بداية تسعينيات القرن الماضي لم يكن بهدفش أن تلعب سوق الأوراق المالية هذا الدور بقدر ما كان يهدف إلى إنشاء قناة لتسهيل التخلص من الشركات المملوكة للدولة بخصخصتها عن طريق طرح أسهمها في البورصة، وهي العملية التي شابها الكثير من الفساد وإهدار المال العام. وبخلاف ذلك كانت عمليات الطرح تعتبر بشكل عام وسائل لتخارج كبار المستثمرين من شركات يملكونها أو مجال لغسيل الأموال أو التعمية على حاملي الأسهم من الكبار الذين عمدوا إلى تأسيس صناديق في الخارج للمضاربة في سوق الأسهم المصرية والاستحواذ على بعض شركاتها.
وإذا كانت إعادة فتح البورصة لا تحمل أي فائدة للاقتصاد المصري أو للنشاط الانتاجي، فإن إصرار رئيس الوزراء في الحكومة المؤقتة وحماسه البادي لهذه الخطوة لايهدف في واقع الأمر إلا إلى توجيه رسالة سياسية، وخاصة للأجانب في الداخل والخارج، مفادها إن النظام الاقتصادي السائد في مصر لم ولن يتغير عن نظام مبارك، حتى وإن اتخذت بعض الإجراءات هنا وهناك في مواجهة رموز الفساد الذين قدموا كأكباش فداء لاحتواء الغضب الجماهيري بعد الانتفاضة الثورية في 25 يناير التي انتهت بسيطرة المجلس العسكري على الحكم. غير أن هذه الرسالة السياسية التي تهدف إلى طمأنة المضاربين والأموال الساخنة بأن مصر لن تحيد عن سياسات السوق الرأسمالية وعن "تحرير" الاقتصاد من أي قيود أو ضوابط وفق منهاج "الليبرالية الجديدة"، ربما تكلف مصر كثيرا وتزيد من حدة الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد الحقيقي وتؤدي إلى رفع معدلات التضخم المستورد نتيجة لما تمثله عمليات هروب رأس المال إلى الخارج من ضغوط على سعر صرف الجنيه وعلى ما تملكه البلاد من عملات أجنبية ضرورية لاستيراد الغذاء والخامات الصناعية، خاصة في ظل تراجع الصادرات وعائدات السياحة وغيرها من موارد النقد الأجنبي.
إن عودة الحياة إلى النشاط الاقتصادي ينبغي أن تبدأ من نقطة إعادة هيكلة الاقتصاد المصري بما يساعد على تحفيز الانتاج وإزالة الخلل في توزيع الثروة والفجوة بين الدخول بإقرار حد أدنى وحد أقصى للأجور، وإقالة القيادات التي تورطت في الفساد كما يطالب العمال، علاوة على استرداد الأموال المنهوبة من ثروات الشعب المصري وإعادة استغلال هذه الثروات بما يعود بالنفع على الغالبية العظمى من المواطنين، وضمان تشغيل المصانع ومنع أصحابها من إغلاقها تجنبا لتحقيق مطالب العمال حتى ولو بتأميم هذه المصانع، بالإضافة إلى حزمة سياسات تمنع التضخم المستورد وهروب الأموال للخارج، والسيطرة على التجارة الداخلية وتجارة الجملة وغيرها من الإجراءات الحاسمة لمعالجة هذه اللحظة الحرجة التي تمر بها البلاد اقتصاديا وسياسيا. لكن هذه الإجراءات لن تتخذها حكومة شرف المؤقتة، التي لم تستجب لمطالب "فئوية" إلا تلك المطالب التي رفعها ضباط وأمناء الشرطة، فالأولوية بالنسبة لها للأمن واستقرار الأوضاع وليس لتغيير النظام والاستجابة لمطالب الجماهير الثائرة.

الثلاثاء، 15 مارس 2011

نعم للحرية من أجل إسقاط النظام


رمضان متولي
تجاوز الاهتمام بأمر التعديلات الدستورية التي سيجرى الاستفتاء عليها يوم السبت القادم أهمية هذه التعديلات نفسها، يتضح ذلك من متابعة الصحف المصرية وقنوات ومحطات التلفزيون الرسمي والقنوات الخاصة التي تحتل فيها مناقشة هذه التعديلات والمواقف المختلفة إزاءها المساحة الأكبر في التغطية، وكأن الأحداث والمعارك التي دارت رحاها في مختلف ميادين وشوارع مصر منذ 25 يناير الماضي كانت دوافعها وأهدافها الأساسية مجرد مجموعة من الإصلاحات السياسية والدستورية دون إنكار طبعا لأهمية هذه الإصلاحات.
غير أن الدساتير على أهميتها لا تمثل ركنا أساسيا في أي نظام سياسي لأنها نصوص على ورق لا تملك قوة في ذاتها وإنما تستمد قوتها إن وجدت من قوة المؤسسات والمنظمات المدنية ومن طبيعة التوازنات السياسية بين مختلف الأطياف والاتجاهات من جانب وبين الحاكم والمحكومين من جانب آخر.
هكذا يتضح لنا من مجرد المراجعة السريعة للدساتير التي وضعت في مصر على مدى ما يقرب من ثمانين عاما، فقد وجد الدستور المكتوب في مصر منذ عام 1923 وتعاقبت علينا الدساتير المختلفة من الدستور الموءود في عام 1954، مرورا بدستور 1956 حتى دستور 1971 الذي شهد سلسلة من التعديلات غيرت طبيعته وجعلته نموذجا لتفاهة وسخافة النصوص وقدرة الحكام على الاستهانة بها مادامت لا تعكس واقع التوازنات السياسية على الأرض. ومع وجود هذه الدساتير، لم تشهد مصر حكما مؤسسيا، حتى وإن لم يكن ديمقراطيا، طوال تاريخها، ليس لأن هذه الدساتير كانت تقر الاستبداد، بل لأن قدرة الحكام على الاستبداد كانت تفرغ النصوص الدستورية من أي قيمة واقعية، ولنا أن نتذكر في هذا السياق أن أغلب عمليات خصخصة الشركات المملوكة للدولة تمت وكان دستور 1971 ينص على عدم جواز التفريط في القطاع العام وملكية الدولة باعتبارهما ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني! كما أن أغلب التغييرات الهيكلية التي طرأت على الاقتصاد المصري في عهد مبارك تمت بالمخالفة لنصوص هذا الدستور وطبيعته التي كانت تعتبر أن مصر نظامها اشتراكي ديمقراطي ولم يكن في النظام أدنى مسحة من الاشتراكية ولا الديمقراطية اللهم إلا من ناحية الشكل فقط وليس من حيث الجوهر!
ومن زاوية أخرى نجد دولا عديدة في العالم لا يوجد لديها دستور مكتوب وتزخر بحيوية ديمقراطية تجعل الحكام خاضعين للمساءلة، بل والإدانة، إذا تجاوزوا على حقوق المجتمع المدني ومؤسساته، وكثير منهم يدفعون ثمن هذه التجاوزات إن حدثت، ولنا في بريطانيا نموذجا على ذلك من حياة ديمقراطية لا نظير لها في دول لديها دساتير مكتوبة.
ورغم ذلك يصر المجلس العسكري الذي يحكم البلاد حاليا لفترة انتقالية على سرعة إجراء التعديلات الدستورية التي ستعيد الحياة للدستور الذي تم تعطيل العمل به تحت دعوى أنه يريد أن يترك السلطة للمدنيين في أسرع وقت ممكن. وحقيقة الأمر أن المجلس يريد اختزال الانتفاضة الثورية للشعب المصري التي أطاحت بالديكتاتور السابق عند حدود إجراء بعض الإصلاحات السياسية الشكلية على النظام القائم دون المساس بطبيعة التوازنات السياسية الحالية ولا بجوهر ومؤسسات النظام الحاكم وإن اضطر إلى التضحية ببعض رموزه والأشخاص البارزين فيه لاحتواء غضب الجماهير. يتضح ذلك من حقيقة أن المجلس في كل مرة كان يتباطأ في الاستجابة لمطالب الجماهير سواء في إقالة حكومة أحمد شفيق أو في التعامل مع جهاز أمن الدولة، كما يتضح في إصراره على فرض توجهاته ورؤيته لطبيعة المرحلة الانتقالية وإجراءاتها وفي تمسكه بعدم المساس بمؤسسات النظام مثل أجهزة الحكم المحلي والمحافظات والحزب الحاكم وغيرها، رافضا في نفس الوقت مطالب جوهرية تتعلق بإطلاق حرية العمل السياسي والنقابي، وتعديل هياكل المؤسسات والحق في التظاهر والإضراب السلمي تحت دعاوى مختلفة.
ليس غريبا في هذا السياق أن تعلن جماعة الأخوان المسلمين وأغلب تيارات الإسلام السياسي موافقتها على التعديلات الدستورية المقترحة حتى قبل إجراء الاستفتاء عليها، وأن تتفق هذه التيارات في ذلك مع بقايا الحزب الوطني الذي مازال قائما. فهؤلاء وأولئك كانوا أطراف المعادلة السياسية التي هيمنت على البلاد في عهدي السادات ومبارك وإن تصدر الحزب الوطني الساحة والسلطة باعتباره حزب الحاكم الذي يهيمن فعليا على مؤسسات الدولة وإمكانياتها والذي يحظى بدعم أجهزة الأمن السرية والشرطة والإدارات المحلية والشركات والمؤسسات العامة.
وفي موافقة الطرفين على التعديلات إدراك لكل منهما أن جوهر النظام السياسي لم يتغير وإن تغيرت التوازنات بينهما في معادلة السلطة، فالنظام السياسي حاليا يشبه رجلا أصيب بطلق ناري في إحدى ساقيه فأصبح يترنح في سيره ومرتبكا، يخشى من أي عقبة يتعثر فيها فيسقط ولا تقوم له قائمة قبل أن يتماثل للشفاء. بقايا حزب الحاكم وتيارات الإسلام السياسي يمثلان دعامتي هذا النظام، لذلك يصر المجلس العسكري على عدم تفكيك الحزب الوطني وعدم تطهير المؤسسات المختلفة من فلوله وعلى التنسيق والحوار مع تيارات الإسلام السياسي ورفض مبادرات غيرها من التيارات السياسية، كما تأتي موافقة تيارات الإسلام السياسي على التعديلات الدستورية المقترحة لأنها توافق مصالحها الآنية أولا، ولأنها تتفق مع ميول ورغبة المجلس العسكري في اختزال الانتفاضة الثورية إلى مجموعة من الإصلاحات السياسية والدستورية ثانيا.
على هذا الأساس أرفض إجراء الاستفتاء على تعديل الدستور من حيث المبدأ، وأدعو جميع القراء إلى التصويت برفضها إذا فرض علينا إجراء هذا الاستفتاء، حتى لا تختزل إنجازات الانتفاضة الشعبية العظيمة في تعديل بضعة نصوص وإجراء بعض الإصلاحات مع بقاء جوهر النظام.
وعلى هذا الأساس أيضا أظن أن الأهم من التعديلات الدستورية وما سيسفر عنه الاستفتاء من قبولها أو رفضها هو إعادة تهيئة المناخ السياسي بما يرفع الظلم عن التيارات السياسية التي حرمت من فرصة عادلة في ممارسة نشاطها وقمعت قمعا شديدا طوال عهدي السادات ومبارك حيث كان حزب الحاكم (الوطني) يحظى بدعم مؤسسات الدولة وتمويلها ودعم المؤسسة الأمنية صاحبة اليد الطولى في الحياة السياسية، وكانت تيارات الإسلام السياسي تحظى بدعم السلطة والتمويل واستخدام دور العبادة وغيرها سواء لمواجهة الخصوم السياسيين للسلطة أو كفزاعة للغرب من أجل دعم الحاكم المستبد، أو لمساندة خطط القوى العظمى مثل الولايات المتحدة في مواجهة أعدائها أو للهيمنة على مناطق استراتيجية في العالم كمنطقة الخليج بدعم من المملكة العربية السعودية.
وتكون إعادة تهيئة المناخ السياسي بمد الفترة الانتقالية إلى عامين على الأقل، وأن ينظمها أعلان دستوري يطلق حرية تشكيل الأحزاب والنقابات والجمعيات بمجرد الإخطار على ألا تكون بها تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية، ويطلق حرية التعبير من خلال التظاهرات والإضرابات والمسيرات، وإطلاق حرية إصدار الصحف ووسائل الإعلام الأخرى على المستوى القومي والمحلي، وحرية النشاط السياسي في مختلف الأوساط والتجمعات الجماهيرية، وحرية عقد المؤتمرات وتنظيم المنتديات في إطار سلمي يحمي حقوق الإنسان في التعبير والتنظيم ونشر الأفكار وتبنيها.
ورغم ذلك لن تستطيع التيارات السياسية التي قمعت على مدى يزيد على أربعة عقود أن تحصل على فرصة عادلة لبناء قدراتها والمنافسة الانتخابية العادلة مع القوى التي استقرت طوال تلك الحقبة الطويلة والمظلمة وتمرست على الممارسة الانتخابية بما تتضمنه هذه الممارسة من علاقات القوة والمصلحة والهيمنة والتبعية. لكن تهيئة المناخ السياسي بهذه الصورة يمثل الحد الأدنى حتى تتمكن القوى السياسية التي أقصيت عن المسرح السياسي لفترة طويلة من الحصول على تمثيل شبه عادل ومعقول في جمعية تأسيسية منتخبة لصياغة دستور جديد، وحتى تكون لها مؤسساتها التي تمكنها من الترويح لأفكارها ومبادئها على قدم المساواة مع القوى الأخرى وبناء قدراتها ولو في المدى الطويل. لا للتعديلات الدستورية، نعم لإطلاق الحريات السياسية والنقابية للجميع.