الثلاثاء، 14 ديسمبر 2010

كم تساوي حياة المصريين؟


رمضان متولي
خلال الأسبوع الأول من شهر ديسمبر الجاري هاجمت أسماك القرش سواحل شرم الشيخ، تلك المدينة الصغيرة أو المنتجع السياحي الذي يقع على ساحل البحر الأحمر ولا يستطيع إلا نخبة من المصريين زيارتها لكنها تستضيف الأجانب من مختلف الجنسيات وأثرياء مصر وكبار المسئولين فيها.
التهمت الأسماك المتوحشة أطراف بعض السائحين الروس في حادث بشع بعد أن هاجمت شواطئ المدينة عدة أيام متتالية. وقامت الأجهزة المحلية في المدينة بواجبها على وجه السرعة فتم نقل المصابين إلى مستشفى شرم الشيخ الدولي، ثم تم نقلهم بعد ذلك بطائرات خاصة إلى مستشفيات القاهرة.
لا وجه هنا للمقارنة بين قيام هذه الأجهزة بواجبها نحو ضحايا حادث شرم الشيخ، ورد فعل الأجهزة الحكومية في القاهرة والصعيد تجاه كارثة صخرة الدويقة ومحرقة قطار الصعيد وجريمة عبارة السلام!
وعلى الفور أعلنت وزارة السياحة أن الحكومة المصرية سوف تقوم بصرف تعويضات مالية للمصابين من السياح بلغت قيمتها 50 ألف دولار أمريكي لكل سائح.
في الأسبوع التالي مباشرة من شهر ديسمبر الجاري انهار أحد مصانع الغزل والنسيج في ضاحية من ضواحي الأسكندرية… أسفر انهيار المصنع الذي يقع في حي سكني بمدينة مصر الثانية من حيث الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية وعدد السكان عن مصرع ما يقرب من 15 مواطنا مصريا وإصابة 9 آخرين … اجتهدت قوات الدفاع المدني في انتشال الجثث ونقل المصابين إلى المستشفى.
وعلى الفور أيضا أعلن محافظ مدينة الأسكندرية اللواء عادل لبيب أن الحكومة سوف تقوم بصرف تعويضات مالية لأهالي ضحايا المصنع المنهار، وقرر منح مبلغ 10 آلاف جنيه لأسرة المتوفي و 5 آلاف جنيه للمصاب.
لا أعرف الأسس الاكتوارية التي استخدمتها الحكومة في تسعير المصري الذي يموت بسبب الإهمال والفساد فيحصل أهله على 10 آلاف جنيه أويصاب فيحصل على 5 آلاف جنيه، كما لا أعرف الأسس التي تستخدمها الحكومة في تسعير الأجنبي الذي يصاب في حادث فيتلقى 50 ألف دولار أمريكي.
حياة الإنسان لا تقدر بثمن، والإصابة أو الوفاة نتيجة الإهمال أو الفساد تستوجب إحالة المسئول عنها إلى المحاكمة الجنائية … لكن إلى هذا الحد بلغ التمييز ضد المصريين في بلادهم؟! 

الخميس، 2 ديسمبر 2010

"أكان لابد يا لي لي أن تضيئي النور؟" شكرا يوسف إدريس!

رمضان متولي
أكان لابد أن نخوض تجربة انتخابات هزلية ومهينة للشعب المصري حتى يواجه نخب الأحزاب الموالية للنظام أزمة داخلية؟
أكان لابد من إجراء هذه المسرحية الهزلية ومعايشة تفاصيلها بكل ما فيها من مهازل ومآسي حتى نكتشف أن الحركات الإصلاحية النخبوية تملك أصواتا عالية، ولكنها أصوات طبول جوفاء لا حول لها ولا قوة، وليس فيها حياة؟
قبل بداية فصول المسرحية هللت الأحزاب الرسمية، التي تحب أن تسمي نفسها "أحزابا شرعية" لمجرد أن النظام سمح لها أن تتعلق بصورته زينة للإطار، للإجراءات الواضحة التي كان يتخذها النظام لحصار جماعة الإخوان المسلمين وتضييق الخناق عليها.
ولم تخف قيادات هذه الأحزاب طموحاتها الانتهازية عندما أملت أن يؤدي تضييق النظام على الأخوان المسلمين إلى توزيع نصيب الجماعة من مقاعد البرلمان السابق عليهم في الدورة الجديدة، وقد عمل رموز السلطة على تغذية هذه الأوهام لديهم وداعبوا أحلامهم الانتهازية خلال فترة طويلة سبقت إجراء مسرحية الانتخابات.
غير أن النظام، كما اتضح فيما بعد، كان يهدف إلى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل عام 2005 عندما استخدم الإخوان المسلمين فزاعة في مواجهة ضغوط خارجية من حلفائه في الغرب من أجل تحقيق بعض الإصلاحات الديمقراطية، حتى وإن كانت شكلية، وسمح للإخوان آنذاك باكتساح المرحلة الأولى من الانتخابات ثم أغلق الصنبور بقوة أجهزة الأمن في المرحلتين الثانية والثالثة وقبل أن يفقد النسبة الآمنة لتمرير ما يريد من قوانين وتشريعات.
لكن النظام في انتخابات 2010 لم يجد ضرورة لتلبية أطماع الانتهازيين من أحزاب "المعارضة"، لأنه يعلم جيدا مدى ضعفها وهوانها وافتقادها للمصداقية والشرعية الجماهيرية الحقيقية. كان عليه أن يوازن بين أطماع عدد كبير من أصحاب المصالح الخاصة من مرشحي حزب السلطة (الحزب الوطني) وبين تلبية طموحات حلفائه الصغار والمتحلقين حوله من أحزاب المعارضة الكرتونية. وهكذا، بدلا من مواجهة أزمة في صفوف "الوطني"، قام بتصدير الأزمة إلى هذه الأحزاب، خاصة أن ضغوط الخارج تراجعت كثيرا منذ تولي باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة.
ظهرت الأزمة عنيفة وقاسية في حزب التجمع الذي واجه رئيسه رفعت السعيد انتقادات حادة واتهامات أشد، واستقال من الحزب عدد لا بأس به مع "البدري فرغلي" بعد رسوبه في مسرحية الانتخابات. وطبعا لم ينفع السعيد هجومه الشرس والعنيد على الإخوان "المتأسلمين" لصالح النظام، فصدق عليه المثل الدارج: "آخر خدمة الغز علقة!" بعد أن حصل على مقعد واحد فقط خلال الجولة الأولى من الانتخابات، ومع ذلك أصر على الاستمرار في جولة الإعادة!
واشتعلت الأزمة أيضا في حزب الوفد بعد أن أعلن انسحابا بدا كمناورة مع السلطة أكثر منه موقفا مبدئيا من قضية التزوير، وحتى بعد إعلان الانسحاب كان رئيس الحزب السيد البدوي مترددا يفتح باب التراجع عن القرار بدعوى المؤسسية بعد أن واجه اعتراضات من مرشحي الوفد الذي دخلوا جولة الإعادة، ودارت معارك حامية الوطيس بين أنصار الانسحاب وأنصار الاستمرار انتهت إلى قرار الانسحاب!
محنة الإخوان المسلمين كانت أصعب وأشد تعقيدا، فقد كانت الجماعة هي قوة المعارضة الأكبر في البرلمان السابق كما كانت هي هدف المؤامرات وإجراءات التضييق التي انتهجتها السلطة في الانتخابات الأخيرة. لكن الإخوان استطاعوا أن يخرجوا من أجواء المسرحية أكثر اتزانا من الآخرين بعد موقف الانسحاب. أما المحنة فكانت في خروجهم على بيئة الحركات والإحزاب التي كانت تضغط منذ البداية في اتجاه مقاطعة الانتخابات، ما عزز الآراء التي زعمت وجود اتصالات بينهم وبين النظام لشق صف المقاطعين وإفساد موقفهم. وربما كانت هذه المزاعم صحيحة، خاصة أن جماعة الإخوان المسلمين اعتادت على هذا النوع  من الممارسات الانتهازية مع النظام في كل منعطف كبير. ولا ينفي ذلك واقع أن التطورات التي بدأت بالتعديلات الدستورية وإصدار قانون مباشرة الحقوق السياسية وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات على الصورة التي خرجت عليها يشير بوضوح إلى توجه صارم لدى السلطة ونيتها نحو محاصرة الجماعة وتقليم أظافرها واسترداد الأرض التي حصلت عليها في انتخابات برلمان 2005، فتلك هي قواعد لعبة الشد والجذب المتفق عليها ضمنيا بين السلطة وأكبر جماعة معارضة في مصر حتى وإن انتهز كل منهما الفرصة لتجاوزها أو اللعب قليلا خارجها.
وقد خرجت الجماعة أكثر اتزانا من الآخرين بعد موقف الانسحاب، صحيح أن إعلانها الانسحاب من جولة الإعادة لن يرد اعتبارها في أوساط أنصار المقاطعة، ولكن الإخوان لا يأبهون بذلك كثيرا في الوقت الراهن وبعد أن أخذوا يتباعدون عن الجماعات المطالبة بإصلاحات ديمقراطية وليبرالية تحت ضغط الضربات الأمنية المتلاحقة التي وجهتها لهم السلطة، وبعد عزل الرموز الإصلاحية في الجماعة لصالح الجناح المحافظ. إنما جاء إعلان الانسحاب من جولة الإعادة في إطار ردود الفعل المتوقعة من جماعة الإخوان المسلمين في مواجهة هجوم السلطة عليها، ووفقا لقواعد اللعبة المتفق عليها ضمنيا بينها وبين النظام: واحدة بواحدة. ففي مواجهة الحصار والتضييق والضربات الأمنية، يرد الأخوان بتعرية النظام وفضح التزوير ونزع غطاء الشرعية السياسية عن البرلمان القادم، وإن كانوا لا يستطيعون مواجهة شرعية القوة والأمر الواقع.
وفي زاوية أخرى من الصورة، تنتظر جماعات الإصلاح الليبرالية – مثل حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير و6 أبريل – الاستفادة مما حدث في مهزلة الانتخابات، وكانت هذه المجموعات قد دعت إلى مقاطعتها على أساس غياب أي ضمانات لنزاهتها، وانتقدت من شاركوا فيها بأنهم أسهموا في تقديم غطاء شرعي لها.
غير أن استفادة هذه النخب من الحدث المهزلة سوف تكون محدودة جدا إذا تحققت. يرجع ذلك إلى طبيعة هذه الجماعات والحركات من حيث التكوين والخطاب من ناحية، وغلى موجة التراجع أو الإحباط التي قد تنجم عن إصرار السلطة أو نجاحها في تقليص مساحات الحركة أمام المعارضين في الفترة القادمة من ناحية أخرى. فليس خافيا أن "كفاية" و "الوطنية للتغيير" و "6 أبريل" ظواهر إعلامية تتحرك في الفضائيات وعلى شبكة الإنترنت أكثر مما تتحرك في الواقع ولا تمثل قوة حقيقية يعتد بها على الأرض. وفي نفس الوقت، ترفع هذه الحركات شعارات وتضع أهدافا أكبر بكثير من قدراتها المحدودة، بل وتخرج أحيانا عن المنطق السليم، مثل شعارات "العصيان المدني" و "الانتخابات الموازية" و "المظاهرة المليونية" وغيرها. أضف إلى ذلك عدم امتلاكها رؤية واضحة وبرنامجا يستطيع تعبئة قوى اجتماعية كبيرة خلفها. لكل ذلك تفقد الفرصة معناها، لأن نخبوية هذه الحركات تجعلها عاجزة عن امتلاك الأدوات والوسائل التي تمكنها من الاستفادة من افتضاح المهزلة.
لا يعني ذلك أن المجتمع المصري في سبيله إلى الموت اختناقا تحت وطأة الأقدام الثقيلة لسلطة مستبدة، إذا وضعنا في اعتبارنا أن الانتخابات الأخيرة ليست استثناءا في تاريخ الانتخابات المصرية. والأهم إذا وضعنا في اعتبارنا أن رافدا هاما من روافد الحركة الاجتماعية في الوقت الراهن لا يرتبط في وجوده واستمراره ونموه ارتباطا مباشرا بمسرحية الانتخابات وما جرى فيها، كما لا يربط أهدافه وأسلوب حركته بأوهام النخب الإصلاحية الليبرالية وشعاراتها الجوفاء. وهذا الرافد يتمثل في الحركات الاحتجاجية والمطلبية لمختلف الفئات الاجتماعية والتي تطور بعضها إلى أشكال تنظيمية قادرة على الاستمرار، مثل لجان ونقابات العمال المستقلة، واتحاد أصحاب المعاشات، وجماعة أطباء بلا حقوق وغيرها مما ظهر وما ينتظر أن يظهر مستقبلا. وتتميز هذه الحركات بأن لها أهدافا محددة تعرف وسائل المطالبة بها وتحقيقها، وتملك قدرات وتعرف أدوات تعبئتها حتى وإن احتاجت إلى وقت ومعارك لإثبات فائدة الديمقراطية القاعدية المباشرة في تحقيق مصالحها المباشرة.
غير أن هذه الحركات الاحتجاجية لن تتطور إلى مشروع شامل وواسع للتغيير إلا إذا اتسع نطاقها ليشمل كل أو معظم القطاعات الجماهيرية من عمال وفلاحين وطلاب وموظفين، وإلا إذا اتحدت مساراتها وتشكلت منها اتحادات ونقابات وتجمعات تستطيع أن توحد وجهتها وبرامجها ومطالبها في اتجاه بناء مجتمع أفضل نتخلص فيه من الاستبداد والفساد والتزوير. لقد أضاءت مهزلة الانتخابات البرلمانية النور في جوانب كثيرة من صورة الأوضاع الراهنة، لكن هذه الإضاءة الخاطفة لن نستطيع الاستفادة منها إلا إذا اكتشفنا السبيل وبدأنا المسيرة.