الخميس، 3 سبتمبر 2009

الطائفية بين رجال الدين ورجال الأمن

المسألة الطائفية مازالت مشتعلة، وأحسب أن لهيبها لن يهدأ حتى يخرج المجتمع المصري من أزمته الشاملة التي يعاني تحت وطأتها الغالبية العظمى من أبنائه من مسلمين ومسحيين وبهائيين، وبدو ونوبيين، عمال وفلاحين وصغار الموظفين وفقراء المدن، نساء ورجال. لأن التمييز على أساس العرق أو الدين أو الأصل القومي أو الجنس أو اللون يجد تربة خصبة وحاضنة عندما تشتد أزمة المجتمع سياسيا واقتصاديا وأيديولوجيا، وعندما تتخبط الطبقة الحاكمة فلا تجد مخرجا إلا استدعاء هذه الأشباح الخبيثة لتبث الفرقة بين المحكومين والمضطهدين وتبدو السلطة وكأنها حكما مستقلا بين هؤلاء وأولئك، كما تستطيع أن تجذب إليها تأييد هذا الفريق أو ذاك وكأنها حامية له من الآخرين.

هذه اللعبة القديمة مازالت فعالة وناجعة حتى الآن، يتعلمها المستبدون من تاريخ الاضطهاد الطويل، فالأزمة ينبغي أن يكون لها كبش فداء يظهر السلطة وكأنها بريئة منها ويوجه الغضب الشعبي الهائل نحو تلك الأقلية وكأنها المسئولة عن أزمات المجتمع ولم يكن من بينها ضحايا لتلك الأزمات، فينقسم المضطهدون والمستغلون على أنفسهم ويتجه انتقامهم في الاتجاه الخطأ، وقد فعلها هتلر في ألمانيا النازية فكان من نتائجها محرقة اليهود، والأهم بالنسبة للطبقة الحاكمة كان نهاية الثورة واحتفاظها بثرواتها ومكاسبها التي انتزعتها من عرق الفقراء ودمائهم. وكان من نتائجها أيضا أن استطاعت الحركة الصهيونية جذب ملايين المؤيدين من اليهود لصفوفها بعد أن كانت أقلية تافهة بين اليهود تؤمن بها، وهي الحركة التي وضعت نفسها في خدمة الطبقات الحاكمة في أوروبا وفي خدمة الاستعمار العالمي، يحميها وترعى مصالحه الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط على حساب ضحايا آخرين لم يشاركوا في اضطهاد اليهود أو محرقتهم.

هكذا نجد الكنيسة المصرية تجر الأقباط وراءها إلى دعم السلطة وكأن هذه السلطة هي التي تحميهم من فقراء المسلمين، أو الغوغاء حسب وصف النخبة لهم، ناسية في ذلك أو متناسية أن تلك السلطة نفسها هي التي زرعت أو حافظت على بذور الاضطهاد حتى يمكن تأجيج الفتنة في الوقت وبالقدر المناسب. رجال الدين يستفيدون من وراء ذلك أيضا لأنه يعزز تبعية الأقباط لهم والتصاقهم بهم باعتبارهم تجسيد للهوية المهددة فيتمسك المضطهدون بزعامتهم كنوع من المقاومة الرمزية للذوبان أو الانسحاق تحت وطأة الاضطهاد. لم تشهد مصر الحديثة منذ محمد على وحتى قبل عام 1952 قوة ممتازة لرجال الدين وتأثيرا واسع النطاق لهم كما تشهده في عصرنا الحالي سواء في ذلك بالنسبة للدين الإسلامي أو الدين المسيحي.

إن الاضطهاد والتمييز يدفع الأقلية إلى الانغلاق على نفسها والالتصاق برموزها والابتعاد عن المشاركة الفعالة في قضايا المجتمع الواسع لصالح قضايا طائفية لا حل لها في الواقع دون خلاص المجتمع من أزمته الشاملة. لا يعني ذلك طبعا تجاهل قضايا الأقلية المضطهدة أو عدم مواجهة التمييز، وهي قضايا قابلة للحل إذا استطاع المسلمون والمسيحيون أن يناضلوا معا من أجل حل قضاياهم المشتركة ومن أجل تقرير مصيرهم المشترك.

لكن البابا شنودة الثالث، وهو رأس رجال الدين المسيحي في مصر، لا يرى حلا ولا يرى دورا إلا لرجال الأمن في قضايا الاضطهاد والتمييز الديني وقد أشار إلى ذلك في تصريحات عديدة كما أكد البابا على تأييده انتقال السلطة إلى جمال مبارك بعد والده واستمرار الحزب الحاكم في السلطة رغم أن الأزمات الطائفية لم تستعر إلا في ظله!

هناك بالتأكيد مثقفون من الأقباط أكثر وعيا وقدرة على تقييم الأمور وأشد حرصا على حل المشكلة القبطية في إطار التعاون والترابط القائم على أساس المصالح المشتركة بين غالبية المصريين من مسلمين وأقباط مثل النائب جمال أسعد والاستاذ كمال زاخر وقد انتقدا تصريحات البابا وطالبا بضرورة فصل الدين عن السياسة.

المهم في ذلك أن ندرك أن رجال الدين، سواء مسلمون أو مسيحيون، لا يملكون حلا للمشكلة الطائفية وليس في مصلحتهم حل هذه المشكلة، وهم تماما مثل رجال الأمن الذين تتعاظم أهميتهم ويتأكد تميزهم وتزداد مكاسبهم كلما استمر هذا النوع من المخاطر والجرائم في المجتمع لأن هذه المخاطر وتلك الجرائم تعطي السلطة ذريعة جاهزة لفرض الطوارئ وإحكام سيطرتها على المضطهدين وخنق الجميع وتمنح رجال الدين مكانة قوية ووضعا ممتازا يكرس سيطرتها على أرواح وألباب التابعين.

ليست هناك تعليقات: